ما لا تعرفه عن مونتيسوري - الجزء الثالث الطفل أول 6 سنوات

سنتحدث في هذه التدوينة عن أهم خصائص المرحلة من 0 لـ 6 سنوات. وبفهم هذه الصفات ستتغير نظرتنا للطفل، و بالتالي طريقة التعامل، و بالتالي شخصية الطفل و مستقبله.


لقراءة التدوينات السابقة من سلسلة ما لاتعرفه عن مونتيسوري من هنا الجزء الأول ، الجزء الثاني 

أولاً  الطفل هو إنسان بعقل غير مكتمل
أوضحت ماريا مونتيسوري أن الطفل يولد كإنسان بعقل غير مكتمل، ومهمتنا أن نساعده على الإكتمال، و الإكتمال يتم بتعلم ستة مهارات مختلفة وهي إستخدام الحواس، التواصل اللغوي، مهارات الحياة العملية ، و مهارات الرياضيات ، وتعلم الثقافة و القدرة على الإبداع.
يكتمل تعليم هذه المهارات تماماً عندما يتم الإنسان 24 سنة وهو سن نهاية مرحلة البلوغ الذي تحدثنا عنه في تدوينة سابقة هنا ، لكن في أول ستة سنوات يتم تعليم الطفل تماماً ثلاثة مهارات أساسية ستبقى معه العمر كله و هم إستخدام الحواس، التواصل اللغوي، مهارات الحياة العملية.
إذن الطفل يولد بعقل غير مكتمل، ويكتمل بناء عقله  ( إتصال الخلايا) بسرعة في أول 18 شهر ل 24 شهر من حياته ، لذا تعتبر هذه الفترة من أهم فترات الإنسان على الأرض، و يمكن أن نقول أنها تشكل شخصيته، فإذا كان الطفل في بيئة تحبه و تحترمه و تشجعه و تدعمه تتكون الروابط بين خلايا مخه قوية وسليمة و إذا كان الطفل في بيئة يتعرض فيها للإهانة اللفظية أو الجسدية أو للإحباط المتكرر و عدم الإستقرار تضمر خلايا من مخه مما يؤثر على إتزانه العاطفي والعقلي.

إذن دورنا 
1- معرفة أن الطفل يولد بصفات متوارثة ، لكن الأكثر تأثيرا في حياته هو ما سنعلمه له و ما سنكمل عقله به.
2-  معرفة أهمية تعليم الطفل مهارات الحياة مثل كيف يغسل يده و  كيف يغسل الأطباق و النظام وغيره  في هذه المرحلة  لأن عقله مستعد لتعلم واستيعاب ما سيبقى مدى الحياه.
3- أيضاً دورنا اختيار ما نعلمه للطفل فنختار ما هو مفيد له وللمجتمع كله لأن ما نبنيه اليوم سنحصده غداً

4- أننا مؤثرين جداَ في حياة الطفل،  وهذا سيأخذنا للنقطة التالية:

ثانياً الطفل عقل ماص

قدرات الطفل العقلية غير مكتملة، لذا يتعلم من العالم حوله فيؤثر فيه و في تكوينه ، بدءاً من العالم الصغير جداً و هو غرفته و حتى ترتيب منزله إلى العالم الأكبر وهو الطبيعة من حوله.

و الطفل غير قادر على إختيار ما يؤثر فيه، كل ما حوله يؤثر فيه لا إراديا حتى ما يحدث أثناء نومه يسمعه ويؤثر على عقله الباطن.

فعقله مثل الاسفنجة تمتص كل الماء لذا أطلقت ماريا على عقله في هذه المرحلة اسم العقل الماص.

ومهمتنا هي كما ذكرنا في النقطة الأولى اختيار ما نحب أن يراه الطفل ويتأثر به، والأهم هو أن نكون كما نحب أن يكون الطفل، فالطفل يمتص ما نقوم به ويقلده، فلا نتحدث بصوت مرتقع دائماً ونتوقع أن يكون طفلنا هادئ ، ألا نجعل المنزل غير مرتب دائماً من حوله ونتوقع أن يحب النظام ونطلب منه ترتيب لعبه .. وهكذا.

ثالثاً الطفل يريد الإعتماد على نفسه

طفلك لا يرد أن تغسلي له يديه، أو تطعميه أو تغيري ملابسه أو حتى تأخذي ملابسه المتسخة للغسالة، طفلك يريد أن تعلميه هذه الأشياء، أن تصبري فإن كان غسيلك ليده سيأخذ نصف دقيقة، وغسيله ليده سياخذ 5 دقائق فهو يريدك أن تصبري حتى يتعلم شئ جديد. فطرة الطفل أنه يريد الإعتماد على نفسه.

الهدف الأساسي من مونتيسوري هو تربية طفل مستقل يعتمد على نفسه و يستطيع مساعدة نفسه و الآخرين.

و دورالآباء في هذه المرحلة هو إعداد البيئة حول الطفل لتشجيعه على التفاعل معها و اكتشافها بحرية، فشجعي طفلك على الاعتماد على نفسه في كل شئ دون الخوف من اتساخ ملابسه أو سكب الماء.

رابعاً الطفل يريد أن يتعلم الصواب والخطأ 
بِفهم أن الطفل في أول ستة سنوات يرى أنه محور العالم فبدلاً من إتهامه -الذي لن يفهمه هو- بالأنانية أو أنه يفعل أشياء سخيفة للفت الإنتباه، نستغل توجيه هذه الطاقة للتطوير من أنفسهم و بناء المبادئ الداخلية للطفل و الصواب و الخطأ، مثلا تعلميهم  السؤال عند فعل شئ غير مألوف هل هذا يؤذي الآخرين  أو يؤذي نفسي أويؤذي أمنا الأرض  .
الطفل يريد أن يتعلم المبادئ، يريد أن يتعلم بوضوح أن الكذب خطأ، لا أن الكذب ربما يكون صحيح إذا كان في موقف سينقذنا من مشكلة، وأيضاّ كما ذكرنا في النقطة السابقة ، يريد أن يتعلم أن الكذب خطأ عن طريق أن يراك لا تكذب ، لا أن تقول له ألا يكذب.

خامسا الطفل يريد أن يتعلم الشئ حين يكون مستعد له فقط
لاحظت مونتيسوري أن الطفل يكون مستعد لتعلم شئ ما في فترة معينة، ويقوم  بإشارات معينة للتوضيح للأم أنه يريد تعلم هذا الشئ في هذا الوقت، وعلى الأم أن تلاحظ تصرفات الطفل و تقدم له نشاط يلائم رغبته في التعلم لأنه إذا تعلم الطفل المهارات في فترات الإستعداد الخاصة بها لديه، يكون الطفل أسرع في التعلم، و بعد تعلم المهارة يكون واثق من نفسه وأهدى ، وإذا تخطينا فترة الإستعداد يصبح الطفل عصبي، ويجد صعوبة في تعلم المهارة لاحقاً.
وينطبق هذا على تعلم المهارات المختلفة كالعد أو الأكل باليد أو تعلم الإعتماد على النفس في استخدام الحمام وغيره. 

سادساً الطفل يتعلم باليد

تقول ماريا مونتيسوري : لا تعطي للعقل أكثر مما تعطي لليد.

الطفل يكتشف العالم عن طريق حواسه و يديه تلعب الدور الأكبر بين الحواس، لذا لا تقدم مونتيسوري معلومات بدون أنشطة للطفل ليقوم بها بيديه فتساعده على التعلم بشكل أسرع وأوضح.

فالطفل يتعلم من شئ يمسكه بيده أكثر بكثير جداُ مما يتعلم من فيديو أو نصائح، فعلمي طفلك عن طريق الأنشطة والتفاعل معه، وابتعدي عن كل الشاشات و التعليم بالتلقين.

سابعاً الطفل يتعلم التركيز
تركيز الطفل مدى حياته يُبنى في الطفولة، اسمحي للطفل أن يركز أطول فترة ممكنة، حين يمسك لعبة أو يقوم بفتح درج أو أي شئ - طالما أنه ليس خطر- ، فاتركي الطفل بدون مقاطعة بالكلام أو النظر إليه أو عمل صوت فجأة، ولو كان الطفل قام بمسك شئ خطر لا تفزعي وتجذبيه بقوة، لكن امسكي لعبة من لعبه وخذي الشئ الخطر منه بهدوء واعطيه بدلا منه اللعبة وقوله له ان هذا خطر لكن يمكن ان تلعب بهذا.
ومن المفترض أن تكون الأم قد أعددت المنزل للطفل بحيث لا يستطيع الوصول لأي شئ خطر، لكن قد تنسى شئ بسيط.
هذه النقطة مهمة جداً لأنها تؤثر على مستقبل الطفل بشدة، فالطفل الذي يسمح له بالتركيز في الصغر سيكون من السهل أن يركز في مذاكرة شئ ما حين يكبر أو في محاضرة أو في التفكير لحل مشكلة لفترة. و هذا من أثبتته مدارس مونتيسوري التي أخرجت أطفال تستطيع التركيز لفترة طويلة دون ملل أو تشتت.
والتركيز يتطور مع تطور عمر الطفل يبدأ بثواني ثم دقيقة ثم 5 دقايق ثم في نهاية الست سنوات يستطيع الطفل الجلوس للإنتهاء من نشاط ما لمدة نصف ساعة دون مقاطعة.

 الجزء الرابع  من هنا